من الصعب أن نطالب الآخرين بما لا نلتزم به, خاصة إذا تعلق الأمر بالقضايا القومية, فدائما ما ندعو المجتمع الدولي والولايات المتحدة إلي التخلي عن ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايانا, لكن الغريب أن تصاب بعض الأطراف العربية بداء الازدواجية هي الأخري, وأقرب مثال علي ذلك حركة حماس التي لا تتفق معظم أقوالها مع أفعالها, فهي تهاجم مصر وتتهم السلطات المصرية بغير وجه حق بإساءة معاملة عناصرها التي دخلت الأراضي المصرية بشكل غير شرعي,
وفي اليوم التالي مباشرة يصل مندوبون منها إلي العريش طالبين مساعدة السلطات المصرية في حل مشكلاتهم وتوفير مقومات الحياة لهم, وينفون في الاجتماعات المغلقة الإساءات التي يتفوه بها بعضهم ضد مصر في التصريحات العلنية ويتبرأون منها.
إن حركة حماس لم يكن لها وجود علي الساحة الفلسطينية إلا منذ سنوات قليلة فقط, ونشأت في ظروف مازالت محل جدل من المتابعين للشأن الفلسطيني, بينما مصر هي الحاضنة الأساسية للقضية الفلسطينية منذ أكثر من60 عاما, وتعد قضية أمن قومي بالنسبة لها, وضحت بآلاف الشهداء والجرحي ومليارات الدولارات وحملت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية أكثر مما تحتمل دفاعا عن الشعب الفلسطيني وحقه في أراضيه, قبل أن تظهر أي حركة مقاومة فلسطينية إلي الوجود, واحتضنت كفاح منظمة التحرير الفلسطينية السياسي والعسكري بمجرد نشأتها حتي حصلت علي جزء من أراضيها وتحولت إلي سلطة فلسطينية.
ولذلك فإن مصر ليست بحاجة لمن يزايد الآن علي علاقتها بالفلسطينيين بمختلف أطيافهم وقواهم السياسية, وحماس هي أول من يعلم حقيقة موقف مصر من الشعب الفلسطيني, وفي كل أزمة كانت تتعرض لها حماس كانت تلجأ إلي مصر لمساعدتها علي اجتيازها, وعندما تصاعد الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني, كانت مصر هي أول من تحرك واستضافت كل الفصائل الفلسطينية الرئيسية في حوارات متعددة علي أرضها لدعم الوحدة الوطنية الفلسطينية, وتلقت مصر الشكر من حماس وباقي الفصائل.
والغريب أن بعض كوادر حماس تفلت منها تصريحات أحيانا غير صحيحة ومجافية للواقع, سرعان ما تتبرأ منها قيادات أخري وتفعل عكسها, الأمر الذي يؤكد الازدواجية التي تعاني منها الحركة في أوقات كثيرة, وقد حدث ذلك مرات عدة, منها خلال القتال في غزة بين فتح وحماس, وعندما سمحت مصر بفتح حدودها أمام أبناء غزة للحصول علي احتياجاتهم في مواجهة الحصار الإسرائيلي, وخلال المحاولات المستمرة لرأب الصدع داخل الصف الفلسطيني, وهو أمر يستحق وقفة خاصة لتحافظ حماس علي ما تبقي من مصداقيتها.
ولعل المباحثات الجارية في صنعاء الآن بين وفدي حركتي فتح وحماس برعاية يمنية يمثل مشهدا آخر من الازدواجية التي تعاني منها حماس, فقد كشف المشاركون في تلك الاجتماعات أن وفد حماس كان يوافق علي بنود معينة, وسرعان ما يتراجع بعد فترة قصيرة ويرفضها, مما يثير تساؤلات عديدة حول آليات اتخاذ القرار داخل حركة حماس, ومدي تأثرها بجهات إقليمية أو عربية معينة ترغب في استخدام حماس كورقة ضغط لديها لتحقيق مصالحها الخاصة, بغض النظر عن المصالح الفلسطينية العليا, وهو أمر يؤرق كل المهتمين بالشأن الفلسطيني وبمصلحة الشعب الفلسطيني.