من غزة للبنان حماس وحزب ا لله الشيعة نهج شيعي واحد بتعذيب ابناء شعبهم
هنا حلقة من شهادة المسؤول في "الحزب التقدمي الإشتراكي"، مروان صعب، الذي اعتقله "حزب الله" في الثامن من أيار الماضي، وعذبه واتهمه بـ"العمالة لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، واغتيال عماد مغنية، وبعمليات اغتصاب، وبتصفية عمال سوريين"، قبل أن يفرج عنه على مشارف اتفاق الدوحة في السادس عشر منه. الإعتقال الأصفاد التي وضعت في يديّ كانت عبارة عن أسلاك، تمامًا كما
يعتقل الإسرائيليون الفلسطينيين، وكما اعتقلوا كثيرين منا خلال الاجتياح، وكما نرى الصور الآتية من سجن أبو غريب في العراق.
بداية الاعتقال كان في نادٍ رياضي يملكونه في حيّ اللجا. ثم نقلوني إلى ثكنة فتح الله في سيارة "rapide"، عرفتها رغم أنهم غطوا رأسي بكيس أسود لئلا أعرف أين نحن. وقد لمحت من تحت الكيس أحدهم يعطي آخر إشارة بيده، فهمت لاحقًا معناها، وهي الضوء الأخضر للبدء باستعمال العنف معي. فورًا حملني شابان قويان ورمياني في السيارة، فشجّ رأسي عند اصطدامه بالحديد.
في ثكنة فتح الله بدأ بعض الشبان في الدخول إلى الزنزانة التي وُضعت فيها، وراحوا يتعرفون إليّ: "هذا هو"، "هيدا القصة كلها"، "هيدا المسؤول عنهم"...
بعدها بدأت رحلة أسبوع من التعذيب. كانوا قد جهزوا كلّ شيء: العصي والأسلاك والرجال المدربين على التعذيب وكلّ شيء. كانوا يتناوبون عليّ ساعة بساعة. كانوا يتعبون من ضربي، ويعجبون لأنني لم أسقط.
كسروا يدي ورجلي وضربوني على قدميّ اللتين أصيبتا في الاجتياح الاسرائيلي إصابات بالغة وظاهرة جدًا، ومازلت أُعالج منها منذ أكثر من 25 عاما، وقد سافرت 8 مرات إلى روسيا للعلاج.
التعذيب
كانوا يعرفون كلّ تفصيل في حياتي. لذا اتهموني بأنني عميل روسي، وأنني تدربت على أيدي الـ"كي.جي.بي" على تحمل الألم والتعذيب، وأن هذا هو سبب عدم اعترافي، حتى تحت الضرب، بأنني عميل إسرائيلي.
ضربوني بأدوات حادة وبالرفش. وكانوا يسألونني عن مستودعات السلاح في بيروت. وكنت أردّ بأننا لا نملك أسلحة في بيروت، بل في الجبل فقط. لكنهم لم يصدقوني، كانوا متأكدين من وجود مستودعات سلاح في بيروت وكانوا يريدونني أن أدلهم إليها. وكانوا يضربونني لكن من دون جدوى، فكيف سأدلهم على مستودعات غير موجودة؟
واعترفت بأنني أملك 5 قاذفات "آر بي جي" في المنزل (عرفت لاحقا أنهم سرقوها) لكن هذا سلاح فردي منذ الحرب الأهلية ولا علاقة للحزب به. وفي هذه الأثناء، كانوا يدخلون إلى منازل أقربائي، ومنها منزل ابن عمي الذي يملك حضانة أطفال قاموا بتكسيرها ونهبها.
لكن التحقيق الجدي بدأ في العاشر من أيار، بعد أكثر من 48 ساعة من الضرب والتعذيب المتواصلين. يومها اتهموني بأنني أتعاون مع إسرائيل، بحجة أنني وضعت كاميرات مراقبة في المنطقة. اتهموني بأنني أبث صورها إلى إسرائيل، ذلك أن في المنطقة منزلاً لمسؤول في "حزب الله".
وبالفعل أنا قررت تركيب كاميرات في المنطقة منعا لأي خلل أمني، خصوصا بعد الإنفجارات الكثيرة في بيروت. ولأنني كنت أريد، في حال حصول تفجير، أن أكشف الفاعلين.
علمت لاحقا أنهم لم يحطموا الكاميرات، بل سرقوها. وفي حين كانوا يضربونني لمعرفة مكان الذاكرة الأم التي تحتفظ بصورهم وهم يسيطرون على المنطقة، علمت لاحقا أن شبان "أمل" سرقوا من أحد المنازل الكمبيوتر المحمول الذي يحتوي على هذه الذاكرة.
الضاحية
حين كانوا يعذبونني سألتهم: "لو كنت يهودياً هل كنتم لتعاملونني بهذا الشكل"، فأجابوني: "أنتم أفظع من اليهود". وفي اليوم الثاني، بعد الظهر، أخذوني إلى الضاحية. وقد علمت أنني في الضاحية لأن الطريق كانت طويلة نسبياً. وبعد وصولي قال لي أحدهم: "تحيات الحاج علي عمار لك". وعلمت لاحقا أن زوجتي اتصلت بوائل أبو فاعور، الذي اتصل بعلي عمار. وكانت النتيجة أن زادوا من تعذيبي فتبيّن لي أنّ علي عمار أوصاهم بتعذيبي أكثر.
في الضاحية بدأوا بتعذيبي بواسطة الكهرباء، بعدما أخبروني أنني في مكتب أمني تابع لـ"حزب الله". وبدأت التحقيقات تأخذ طابعًا هزليًا زائدًا عن حدّه. إذ بدأوا يحققون معي في قضية مقتل عماد مغنية. ذلك أن الوزير وئام وهاب قال سابقا إن هشام نصرالدين، المسؤول في "الإشتراكي"، له ضلع باغتياله. واتهموني بالتعامل مع نصر الدين. ثم سألوني عن فارس خشان الذي لا أعرفه إلا على التلفزيون، واتهمونني بأني أنقل له معلومات من وليد جنبلاط.
حينها قلت لهم: "لماذا لا تعدمونني وننتهي؟". كنت قد وصلت إلى مرحلة من اليأس الفظيع. كانت أضلاعي محطمة وعيناي لا أرى فيهما شيئا منذ أربعة أيام، وقدماي شبه مشلولتين، وأنا متهم باغتيال مغنية والتآمر مع فارس خشان والعمالة لإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة الأميركية. ما الذي يمكن أن يكون أسوأ من ذلك. بدا لي حينها الموت جميلاً.
الإعدام
قلت لهم أعدموني. فقالوا: هذا ما سيحدث. وجاء أحدهم وقرأ "لائحة الاتهام"، وفيها اتهموني بعمليات اغتصاب، حاولت الاستفسار عنها فضربوني. والتهمة الثانية هي جمع عمال سوريين وقتلهم، ولا أحد سمع أن هناك عمالاً سوريين جمعوا وقتلوا. والتهمة الثالثة هي إحراق صورة حسن نصر الله في الطريق. ثم قال لي قارئ اللائحة إن الحكم صدر وهو الإعدام. فاقترب مني ولقّم المسدس ووضعه في فمي، فرفعت يديّ المكبلتين بسرعة، وسيطرت على المسدس وحاولت أن أطلق النار، لكن تبين أن المسدس فارغ من الرصاص. فاتهموني بالكفر وبأنني أريد قتل نفسي وضربوني أكثر.
وددت الانتحار لأنني شعرت باليأس. بعدها صاروا ينقلونني كل يومين إلى مركز جديد لا يبعد دقائق عن المركز القديم، ويضربونني مرة جديدة ويطرحون الأسئلة نفسها والتهم نفسها، وأنا لا شيء عندي لأقوله.
ولكي يعذبونني نفسيًا أيضًا راحوا يقولون لي إن غازي العريضي وجد مقتولاً في عاليه، وأكرم شهيب محروقاً في الشويفات، وتيمور جنبلاط مقتولاً على باب المختارة. وكنت أعرف أنهم يكذبون، لأن تيمور كان وقتها في فرنسا. وكنت أسمع باستمرار أصوات معتقلين آخرين، في زنزانات مجاورة، إما يتوسلون أو يطلبون الإتصال بذويهم أو يعرضون أموالاً أو يطلبون ماءً أو طعامًا.
الإفراج والاعتذار
في اليوم الثامن نقلوني إلى غرفة واسعة، وكانت الوحيدة المضاءة من الغرف التي استضافوني فيها. ورفعوا الكيس عن وجهي وفكوا يديّ. وأتى رجلان محترمان قدما إليّ "سفرة" فيها الفتوش والتبولة والصيادية والحمص والمتبل، وطلبوا مني أن آكل، للمرة الأولى منذ 8 أيام. واعتذروا مني وقالوا لي إن كلّ ما جرى هو ردّة فعل على استهداف سلاح الإشارة التابع للمقاومة. وطلبوا مني السماح وقالوا إنهم يريدون فتح صفحة جديدة، وطلبوا مني مساعدتهم على فتح صفحة جديدة مع أهالي كركول الدروز.
واستنتجت لاحقًا أنه بعدما اعتقل رفاقي في تومات نيحا سبعين مقاتلاً من "حزب الله" بدأت المعاملة الجيدة.
ثم أخذوني إلى وفيق صفا. قبل ذلك دخل علي أحدهم، وقد عرفت من صوته أنه أكثر من عذّبني، وطلب مني أن أسامحه، وأصرّ كثيرًا، لكنني قلت له: "الله هو الذي يسامح".