يرى محمد دحلان أن عسكرة الانتفاضة الثانية كانت خطأ ويعترف بأنه كان من الذين ساروا وراء مشاعرهم حين عاينوا حجم الدم الفلسطيني الذي أريق على يد الجيش الاسرائيلي. ويحذر القيادي الفلسطيني من أن القضية الفلسطينية لم تعد محط اهتمام الجمهور العربي أو حتى القادة العرب معترفاً بأن اسرائيل نجحت في الاستفراد بالساحة الدولية.ويشدد دحلان على وجوب الخروج من المأزق الحالي عبر تبني اقتراحات الرئيس محمود عباس التي تنص على تشكيل حكومة انتقالية وبناء المؤسسة الأمنية على أسس مستقلة ومهنية واجراء انتخابات تشريعية ورئاسية. وهنا نص الحلقة الأخيرة:
> هل شعر ياسر عرفات بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) بأهمية وقف الانتفاضة كي لا تلصق تهمة الإرهاب ببعض ممارساتها؟ هل أدرك خطورة هذه الهجمات؟
- نعم أدركها، لكنه لم يفعل الكثير وربما لم يكن يملك القدرة على تغيير الاتجاه. لا أعرف بدقة على رغم أنني كنت ألازمه ليلاً ونهاراً. وأعتقد بأن الواقع أفقدنا الكثير من القدرة على المناورة. لم يكن كل العمل العسكري في الانتفاضة خطأ، لكن أغلبه كان خطأ وفي توقيت خطأ. اعتبرت دائماً أن الوضع الفلسطيني يحتاج الى الصبر والصمود والكثير من العقل والإبداع والقليل من المقاومة. لا أقصد المقاومة المسلحة وحدها بل كل أشكال المقاومة. الطريقة مهمة. التوقيت مهم. لا التبرير الكامل صحيح ولا الإدانة الكاملة.
> هل تعتبر العمليات العسكرية التي نفذت داخل حدود 1948 خطأ؟
- نعم، وهي التي ألّبت ضدنا المجتمع الدولي والمجتمع الإسرائيلي. لو اقتصرت العمليات على المناطق التي احتلت في 1967 واستهدفت الجيش الإسرائيلي وحده لكانت أفضل.
> مثلاً العمليات التي استهدفت مطاعم أو أهدافاً مدنية؟
- قيمة العمل العسكري أن يكون له مردود سياسي، العملية التي ترتد عليك وبالاً سياسياً، خطأ بالتأكيد. هنا أريد أن أقول إن حجم الدم الفلسطيني الذي أريق في الانتفاضة أثار مشاعرنا. وأنا من الذين ساروا خلف مشاعرهم في السنتين الأوليين. والآن أقول يجب ألا يستسلم الشخص لمشاعره وعواطفه.
> هل أخطأ ياسر عرفات حين غزت القوات العراقية الكويت؟
- أعتقد بأن الخطأ كان عاماً، ومن قيادة المنظمة. لم يكن الموقف صحيحاً وإن كنت مقتنعاً بأن الإعلام الأميركي والدولي أملى على عرفات مواقف لم يكن مقتنعاً بها. أنا كنت في تونس ولم يكن لي دور فاعل، لكنني أعتقد بأن الخطأ كان عاماً. ليس من المعيب الاعتراف بالخطأ. كارثة العالم العربي هي عدم الاعتراف بالأخطاء. إسأل قيادة «حماس» اليوم إن كانت أخطأت فتسارع الى الرد بالنفي، على رغم كل الكوارث التي لحقت بالشعب الفلسطيني بفعل أخطائها.
> هل تأثرت قيادة المنظمة بالدعم الذي كانت تحصل عليه من صدام حسين بعد خروجها من بيروت؟
- حتى مع هذا الدعم كان المطلوب اتخاذ موقف ينقذ الشعب. الحقيقة إننا الخاسر الأكبر في حرب الكويت. خسرنا في العلاقة مع الكويت وخسرنا مع العراق. طبعاً العراق قدم الكثير للشعب الفلسطيني ولا أحد ينكر ذلك، ولكن في الظروف الصعبة عليك أن تتخذ القرارات في ضوء مصالح شعبك.
> من هي الدولة التي قدمت أكثر للشعب الفلسطيني مالياً؟
- أعتقد السعودية، ثم الإمارات بحدود معلوماتي. ليبيا قدمت، والجزائر قدمت ولا تزال.
> كيف كانت علاقة عرفات بالعقيد معمر القذافي؟
- ممتازة. وخلال الحصار في رام الله كان «أبو عمار» يداوم على الاتصال بالعقيد القذافي الذي كان يحرص أيضاً على الاتصال. أوفدني «أبو عمار» الى ليبيا على الأقل خمس مرات خلال فترة الحصار وقدمت ليبيا مساعدات.
> ما هي أصعب مهمة كلفك عرفات بها غير المفاوضات؟
- كل المهمات التي كلفني بها كانت صعبة وأنا لم أنطق بحرف عنها، وأحمد الله أنها كانت ناجحة في غالبيتها.
> كان الدكتور فتحي الشقاقي الأمين العام الراحل لـ «الجهاد الإسلامي» زميلك في السجن؟
- نعم التقينا في السجن في غزة وهو كان شخصية مثقفة مهمة ومقبولة من الجميع. كان ذا تأثير إيجابي في الجميع. ذلك كان في منتصف الثمانينات في سجن غزة المركزي. كما أمضيت فترة في التحقيق مع الشيخ أحمد ياسين (مؤسس «حماس») الذي كان قيد التحقيق أيضاً مع 70 شخصاً من أنصاره.
> تعرف إسماعيل هنية؟
- أعرفه من الجامعة. أعرفه عن قرب.
> علاقتك سيئة معه؟
- للأسف أنا لا أعتبره شخصاً وفياً. ما قدمه «جهاز الأمن الوقائي» وأبناء «فتح» لإسماعيل هنية شخصياً لا يمكن أن تقدمه له أسرته أو الحركة التي ينتمي إليها. أقصد بالنسبة الى أمنه الشخصي. للأسف، لا يحفظ الوفاء ولا يبادله.
> هل تقصد أنكم أنقذتموه؟
- مرات، هو وغيره من قادة «حماس». وهو شخصياً يعرف ذلك. على كل حال نحن، كما يقولون، نعمل بأصلنا.
> هل تعتقد بأن القضية الفلسطينية مهددة حالياً؟
- موقتاً نعم، خصوصاً إذا لم يتم تدارك الأمر. كان الرئيس ياسر عرفات يقول نحن نمر في منعطف تاريخي خطير لكنني أعتقد بأننا منذ العام 2000 نمر في هذا المنعطف الخطير، وأعتبر المرحلة الحالية هي الأخطر منذ 1948. انقسام بين الضفة وغزة. انقسام سياسي وجغرافي، يتعمّق نفسياً. انقسام حقيقي وهذه مأساة. القضية الفلسطينية لم تعد محط اهتمام الجمهور العربي أو حتى القادة العرب، وأنا أعتبر أن التقصير يقع على الجانب الفلسطيني أكثر من الجانب العربي، استفراد إسرائيل بالساحة الدولية حيث لم تعد لنا كلمة. أتذكر أنه حتى نهاية مرحلة «أبو عمار» كان الموقف الفلسطيني يؤثر ويجلجل. مثلاً حين هدد «أبو عمار» بإعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد قامت الدنيا ولم تقعد. بعد دقائق من الإعلان كان الرئيس بيل كلينتون على الهاتف، وكل رؤساء دول أوروبا تحدثوا إليه فضلاً عن رؤساء من العالم العربي والإسلامي. اليوم فتر هذا الاهتمام، لذلك، أعتقد بأن جريمة كبيرة ارتكبت منذ اللحظة التي انقلبت فيها «حماس» على نفسها وشعبها وارتكبت المجازر بحق الناس. في الوقت ذاته أقول: لا مناص من التوافق الداخلي مهما عظمت الجراح. إنه المخرج الوحيد. الولايات المتحدة في فترة انتخابات. الوضع الإسرائيلي يعيش أجواء انتخابات وربما تجرى انتخابات مبكرة. هذه الأجواء لا تسمح بحل للقضية الفلسطينية ولن يكون فيها حراك جاد. لهذا يجب أن نستغلها لإعادة اللحمة الداخلية على أسس سياسية، وليس على أسس عاطفية أو تقليدية.
> أعطوا «حماس» الثلث المعطل أسوة بما حصلت عليه المعارضة اللبنانية؟
- الحالة الفلسطينية مختلفة. في لبنان لا يوجد احتلال كما الحال عندنا. بالنسبة الى إسرائيل جنوب لبنان ليس الضفة الغربية. الضفة أهم لها بمئات المرات. قدرتنا على المقاومة ليست مثل قدرة لبنان. نحن نحتاج من إسرائيل بعد احتلال 1967 الى تسعة آلاف سلعة لا يمكن أن نأخذها من مصدر آخر. كل شيء تقريباً. جربنا الحلول في مكة والقاهرة ومبادرة الرئيس اليمني. الآن عرض الرئيس محمود عباس على القيادة المصرية حلاً سهلاً وسلساً ومباشراً لا يحوي شروط اللجنة الرباعية الدولية التي لم تعد موضع اهتمام الآن ولا أي شروط أخرى تتعلق بمنظمة التحرير. لم يكن من المنصف أن تدخل «حماس» الانتخابات ثم تتنكر للمنظمة التي شكلت السلطة. هذا تاريخ، الحديث فيه لا يفيد. يجب أن نخرج من عنق الزجاجة.
> ماذا طرح عباس؟
- أولاً: الاتفاق على حكومة انتقالية من المستقلين. ثانياً: إعادة بناء المؤسسة الأمنية على أسس مستقلة ومهنية، ولا مانع لدى الرئيس «أبو مازن» في أن تكون هناك لجنة عربية للإشراف على عملية البناء بدعم دولي. ثالثاً: الذهاب الى انتخابات تشريعية ورئاسية يتبعها اتفاق على برنامج سياسي. ما عدا ذلك سيكون مضيعة للوقت. ستلجأ «حماس» الى التشكيك بشرعية الرئيس «أبو مازن». استحقاق الانتخابات الرئاسية في كانون الثاني (يناير) 2010. الولاية أربع سنوات. هذه المرة ستكون خمس سنوات لأن الانتخابات السابقة جاءت في ظرف استشهاد «أبو عمار». وقد قال المجلس التشريعي أن الانتخابات المقبلة يجب أن تكون متلازمة، أي التشريعية والرئاسية معاً. لماذا ننتظر ونفقد المبادرة مدة سنة ونصف سنة؟ أنا خرجت من العمل التنفيذي. أتحدث هنا كأحد أبناء «فتح». على رغم كل الجراح التي سببتها لنا «حماس» لا أرى مخرجاً غير ما طرحه الرئيس «أبو مازن». مخرج للشعب الفلسطيني و «حماس» وكل القوى. كانت «حماس» تقول إن المشكلة في دحلان. استقلتُ منذ سنة ونصف سنة، ماذا فعلوا؟ لقد خطِف الشعب الفلسطيني على يد «حماس».
> هل يمكن أن تفكر «حماس» في تكرار تجربة «حزب الله» في مواجهة إسرائيل؟
- لا تستطيع. أنا أتمنى لو كانت لديها قدرة مشابهة لقدرة «حزب الله». «حماس» تستجدي وقفاً لإطلاق النار كانت ترفضه في السابق. كانت «حماس» تلومنا لأن إسرائيل لا تلتزم الاتفاقات. الآن إسرائيل لا تلتزم، فماذا تفعل «حماس»؟ كانت حجة «حماس» أنها تقاوم، الآن توقفت وتمنع الآخرين من المقاومة. أعرف أن هناك من سيرد. أنا لا أريد المقاومة بحسب مفهوم «حماس» لأنها سلبية وغير منتجة. الانتفاضة الأولى كانت مقاومة، أجبرت إسرائيل على الرضوخ لشروط منظمة التحرير وفضحت إسرائيل في كل بيت في المجتمع الدولي.
> ماذا تقول عن محاولة اقتحام معبر رفح؟
- هذه فضيحة سياسية تتحمل «حماس» المسؤولية عنها. لا يجوز أبداً التعامل مع مصر بهذه الطريقة. مصر وقفت معنا ولا تزال تقف معنا. محاولة تصوير أن مصر هي التي تحاصر. لا تجرؤ على اقتحام معبر مع إسرائيل فتلجأ الى إحراج مصر. ما شاهدناه كان حدثاً معيباً يجب ألا يتكرر. أعتقد بأن سلوك «حماس» أكد صحة تقديراتنا السابقة لتفكيرها ومنهجها.
> تعرضت لمحاولات اغتيال عدة؟
- في ذروة الانتفاضة في 2002 تعرضت لمحاولة اغتيال في ايريتز، كنت واللواء المجادلي واللواء أمين الهندي وكانت لحظات عصيبة، لكنها والحمد لله مرت بسلام. لم يصدق أحد أننا نجونا. السيارة كانت مصفحة. وخلال إطلاق النار لجأنا الى مكتب للرئيس عرفات في المنطقة. أعتقد بأن للحادث طابعاً شخصياً. كان شاؤول موفاز رئيساً للأركان وكنا في اجتماع في حضور الطرف الأميركي، وتركنا الاجتماع وبعد ساعة وربع انهمر علينا الرصاص لدى وصولنا الى ايريتز. أصيبت السيارة بطلقات عدة. أما المحاولات المضحكة فكانت من «حماس». ما هذه العبقرية أن تحاول اغتيال فلسطيني؟ صدقني لم أغيّر جدول أعمالي. بقيت أشارك في المناسبات العامة والخاصة وأجول في الشوارع. أكثر من سيارة مفخخة فجِّرت، وهناك تحقيقات أظهرت كيف كانت «حماس» تخطط لاغتيالي.
> هل حاولوا استهدافك بعملية انتحارية؟
- أكثر من مرة. هناك أشياء كثيرة لا أريد التحدث عنها. أقول فقط إن هذه الممارسات وصمة عار في تاريخ «حماس». أحد أعضاء «حماس» استغرب نجاتي من المحاولات المتكررة، وقال: «هذا الشخص فيه شيء لله».
> لنفترض أن ياسر عرفات طلب منك أن تقدم تقريراً موجزاً عن الوضع الفلسطيني، ماذا تقول عن عملية السلام الآن؟
- عملية السلام من وجهة نظري ماتت أو دخلت غرفة الانعاش منذ بداية الانتفاضة الثانية، أي منذ دخل شارون الى المسجد الأقصى. ولكن كان في الامكان تدارك هذا الوضع الإسرائيلي - الفلسطيني المتدهور بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. كانت قد مرت على الانتفاضة فترة لا بأس بها، وكان الصراع أخذ طابعاً أكثر حدة وأكثر دموية، ويفترض أن الطرفين أخذا دروساً من هذه المواجهة، وخسرا فيها. لا يوجد فيها طرف مهزوم وطرف منتصر، ولكن لم تلتقط اللحظة التاريخية في ذلك الوقت من الطرفين، منا ومن الإسرائيليين. تعمق التدهور في عملية السلام في عهد شارون ثم في عهد أولمرت. لم يكن لديّ أي وهم بأن عملية السلام سيعاد إليها الاعتبار في فترة أولمرت، لأن كل الوعود والتفاؤل الذي صاحب تلك الفترة لم تكن واقعية لأسباب واضحة بالنسبة إلي. الإدارة الأميركية ليست لديها إرادة سياسية للضغط على إسرائيل، ثانياً الوضع السياسي والحزبي داخل إسرائيل لا يقود الى انفراج في عملية السلام. ثالثاً، التجاذبات الحزبية والداخلية الفلسطينية ساهمت في هذه الحالة، لذلك أعتقد بأن عملية السلام لن تقود الى دولة فلسطينية عام 2008، كما قال الرئيس بوش. وأنا من الأوائل الذين قالوا عكس ذلك تماماً، ليس رغبة في أن أثبت عكس رؤية بوش، إنما استدلالي ومعرفتي بالوضع التفصيلي في إسرائيل كانا يقودانني الى هذه النتيجة. لذلك، لو كتبت تقريراً في هذا الأمر للرئيس عرفات لأوصيت بالالتفات الى الوضع الداخلي، مع ضرورة الاستمرار في البحث عن آفاق عملية السلام ولكن من دون أوهام.
> ماذا تقول له عن أوضاع حركة «فتح» الآن؟
- عُقد آخر مؤتمر لحركة «فتح» عام 1989. لا يعقل ولا يجوز أن تستمر الحالة الفتحاوية بهذه الطريقة. بعد كل هذه الحروب، حربين في منطقة الخليج، انتفاضتين فلسطينيتين، دخول إسرائيل الى جنوب لبنان، فشل عملية السلام أو تدهورها، كامب ديفيد... أحداث كبرى عصفت بالوضع الفلسطيني مثّلت شبه زلزال ولم تحدث فيها مراجعة من القيادة الفتحاوية، مؤسسات أقصد منها اللجنة المركزية والمجلس الثوري لإجراء انتخابات من أجل إعادة الاعتبار الى الوضع الحركي والتنظيمي. حركة «فتح» قادت النضال الوطني الفلسطيني من خلال رمزية ياسر عرفات رحمه الله، أو من خلال تماسك المؤسسة الفتحاوية. ولكن حين اختبِرت هذه المؤسسة في الانتخابات العامة، راهنت على الإرث التاريخي وليس على المنافسة الشعبية.
> أي انتخابات تقصد؟
- أقصد الانتخابات العامة عام 2005، وأعتقد بأن المخرج الوحيد هو عقد المؤتمر الحركي على أساس المصالحات والتوافق الداخلي الفتحاوي. الآن لدينا أمل بأن يعقد المؤتمر قبل نهاية السنة، وإذا لم يعقد وكانت وعود غير قابلة للتطبيق، فإن وضع حركة «فتح» سيكون صعباً. لكن المؤتمر الحركي والمصالحات الداخلية والتوافق الداخلي الفتحاوي ربما شكلت مخرجاً للنظام السياسي الفلسطيني بكامله. حركة «فتح» يُعتمد عليها في اعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، بغض النظر عن الكبوة التي حدثت في الانتخابات، وعن النجاح الموقت الذي أحرزته حركة «حماس» عام 2005. كل هذا موقت في رأيي. لذلك المطلوب إعادة اللحمة الى حركة «فتح»، اعادة بنائها الداخلي على أساس الانتخابات، تعميق الديموقراطية فيها، والحفاظ على الجيل القديم الذي لديه خبرة نحترمها ونقدرها. لكن هذا لا يعني وضع حركة «فتح» في الثلاجة وعدم التوافق على تواصل الأجيال وليس تراكم الأجيال.
> هل يمكننا الحديث عن ترهل وأجنحة وأزمة أجيال في حركة «فتح»؟
- تاريخياً هذا كان موجوداً، لكن أزمة الأجيال لم تكن موجودة في عهد الرئيس «أبو عمار» حتى دخلنا أوسلو وما بعده، بدأت فكرة أن هناك جيلاً انتخب وليس هناك تواصل أجيال، ولكن طيلة سنوات النضال والكفاح في منظمة التحرير، كانت هناك أجنحة. كان هناك «أبو اياد» والشهيد «أبو جهاد» و «أبو عمار» و «أبو الهول»، عمالقة مثل الشهيد سعد صايل. كانت هناك أجنحة لكنها كانت تعمل بتناغم وليس بتصادم، كذلك أمنوا مسيرة وطنية مشرفة، ولكن بعد 20 سنة لا يمكن حركة أن تقوى على الاستمرار اذا لم تُعمل فيها الديموقراطية. لا يجوز ولا تستطيع. يعتبرون أنني وكثيرين من زملائي من الجيل الشاب، تقدمنا في السن وبات عمرنا 50 سنة، فما بالك أن قبلنا أجيالاً وبعدنا خمسة أجيال. لا يستقيم أن يبقى الوضع كما هو، وإذا طالبتَ بدمقرطة الحركة، تُتَهم بأسوأ التهم. ولكن في هذه المرحلة، يجب ألا ننكأ الجراح. حصلت فيها أخطاء، ويجب بمحبة كل الشخصيات الفتحاوية وتآخيها وتعاضدها أن نقدم نموذجاً كي لا تعاني الأجيال المقبلة ما عانيناه نحن، وكلمة السر في ذلك هي الانتخابات الداخلية. لا يجوز أن تجري كل الأحزاب السياسية في الساحة الفلسطينية انتخابات، إلا حركة «فتح».
> هل هناك مساعٍ جدية لعقد المؤتمر؟
- نعم، أعتقد بأن الفترة الحالية هي الأكثر جدية لعقد المؤتمر على رغم كل الصعوبات التي يضعها بعضهم لتأجيل عقده. ولكن، لا يستطيع أحد أن يتحدى ارادة الفتحاويين الذين يعدون بالآلاف. اليوم الأخ أبو ماهر غنيم هو رئيس اللجنة التحضيرية التي أعدت أوراق العمل وقطعت مشواراً طويلاً تشكر عليه. يبقى تحديد موعد المؤتمر ومكانه ومن يحق له أن يكون عضواً في هذا المؤتمر. وهناك صراعات ومحاولات لضمان نتائج المؤتمر قبل أن يُعقد، لكن هذا لن يحدث لأن أحداً لا يستطيع أن يحتكر المؤتمر، أو أن يمنح فيه ويمنع. لدينا أجيال من آلاف الفتحاويين الذين أمضوا سنوات في السجون ولا تستطيع منعهم من حضور المؤتمر، لذلك نقول بكل أمانة: من يحق له أن يكون في المؤتمر يجب أن يحضر، ومن لا يحق له يجب ألا يكون. ويجب ألا تكون علاقاتنا الشخصية عاملاً في ذلك. المؤتمر الآن أقرب ما يكون. هناك إرادة جدية لعقده لدى الأخ «أبو مازن» والأخ «أبو ماهر» ليكون مؤتمراً يضمن توحد الحركة وليس تفككها. الأخ «أبو علاء» أنجز الخطوة الأولى للمؤتمر لا النهائية، عبر إجراء الانتخابات في كل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة باستثناء بعض المناطق مثل نابلس وشمال قطاع غزة. وفي شكل عام، أنجزت الانتخابات الداخلية في شكل ديموقراطي، ومَن نجح هم خيرة أبنائنا الفتحاويين من الشباب الواعدين الذين يستطيعون ضمان استمرار هذه الحركة التي انتمينا اليها بحكم آلاف الشهداء والجرحى.
> أنت محمد دحلان، ماذا تريد من المؤتمر؟
- أريد أن يعقد في أي حال، لأنه الحل الوحيد لإعادة لحمة الحركة. ثانياً أن يكون شفافاً ونزيهاً في اختيار مَن لهم حق في المؤتمر، لأن هناك عُقداً تراكمت عبر عشرين سنة... لدينا فتحاويون أصلاء ناضلوا وثابروا في الأقاليم الخارجية، في لبنان وسورية والأردن وأوروبا. هذا إرث نضالي، لا يمكن أحداً أن ينكر عليهم فتحاويتهم ولا يجلبهم الى مؤتمر. لديهم تجربة مميزة ولدينا تجربة السجون وتجربة الداخل في الضفة وغزة، في الانتفاضتين الأولى والثانية. تراكمت أعداد كبيرة من الفتحاويين، كل شخص منهم لديه الحق في أن يكون في المؤتمر. لذلك، ستجد أن أعداد من يرون أن من حقهم الحضور هائلة، وهذه هي عقدة المؤتمر التي يجب حلها بعقلانية وهدوء وأخوّة، وليس بإلغاء فلان ومنح مَن لا يستحق.
> هل نتحدث عن مؤتمر يشارك فيه مئات الممثلين؟
- طبعاً، على الأقل لن يكون هناك أقل من 1500. يفترض أن يعقد المؤتمر في أريحا أو بيت لحم. كنت في عمان أثناء وجود الأخوة في اللجنة التحضيرية، وهناك توجه يطرح أفكاراً بضرورة عقد المؤتمر خارج فلسطين، وأنا من المقتنعين بعقده داخلها، إذ لا يجوز بعدما عدنا الى أرض الوطن أن نعقد مؤتمر «فتح» خارج فلسطين، مع ضمان حق تأمين دخول جميع الفتحاويين الذين سيشاركون في المؤتمر. هذا الأمر لم يحسم، وعلى اللجنة المركزية أن تحسمه، ونحن لم نعترض على ذلك.
الحياه